فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.سورة الحجرات:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)}
{ياأيها} {آمَنُواْ}
(1)- يُؤدِّبُ اللهُ تَعَالى في هذِهِ الآيَةِ عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ، وَيُعَلِّمُهُمْ أصُولَ مُخَاطَبَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم والتَّعَامُلِ مَعَهُ، وَتَوْفِيَتِه حَقَّهُ مِنَ التَّوقِيرِ والاحْتِرَامِ. فَيَقُولُ تَعَالى للْمُؤمِنين: لا تُسْرعُوا في القَضَاءِ في أمْرٍ قَبْل أن يَقْضِيَ لَكُم فِيهِ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَكُونُوا تَبَعاً لِقَضَائِهِما وَأمْرِهما، وَلا تَتَكَلَّمُوا في أمْرٍ قَبْلَ أنْ يَأتِيَ الرَّسولُ عَلَى الكَلامِ فِيهِ، وَلا تَفْعَلُوا فِعْلاً قَبْْلَ أنْ يَفْعَلَهُ الرَّسُولُ، واتَّقُوا اللهَ يَا أَيُّها المُؤْمِنُونَ، فَإِنَّهُ سَمِيعٌ لما تَقُولُونَ، عَلِيمٌ بِمَا تَفْعَلُونَ.
وَرُوِيَ أنَّ هذِهِ الآيةَ نَزَلَتْ رَداً على أنَاسٍ مِنَ المُسْلِمِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لوْ أُنزِلَ فِي كَذا وَكَذا.
لا تُقَدِّمُوا- لا تَقْتَرِحُوا- أو لا تَقْطَعُوا أمْراً.

.تفسير الآية رقم (2):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)}
{ياأيها} {آمَنُواْ} {أَصْوَاتَكُمْ} {أَعْمَالُكُمْ}
(2)- وَإِذا نَطَقْتُمْ وَأنْتُمْ في حَضْرَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَلا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوتِهِ، وَلا تْبلُغُوا بها الحَدَّ الذي يَبْلُغُهُ صَوْتُهُ، لأنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الاحْتِرَامِ. وَإِذا كَلَّمْتُمُوهُ وَهُوَ صَامِتٌ فَلا تَبْلُغُوا بهِ الجَهْرَ الذي يَدُورُ بَيَنكُم، وإذا كَلَّمْتُمُوهُ فَلا تَقُولُوا لَهُ: يا محمَّدُ، بَلْ خَاطُبوهُ بالنُّبُوَّةِ (كَيَا نَبِيَّ اللهِ، وَيَا رَسُولَ اللهِ) مَخَافَةَ أَنْ يُؤْدِّيَ، ذلِكَ التَّهَاوُنُ فِي تَوْفِيَةِ الرَّسُولِ حَقَّهُ مِنَ الاحتِرامِ، إِلى الكُفْرِ وَبُطْلانِ الأعْمَالِ، وَأنتُمْ لا تَشْعُرونَ بِذلِك.
(رُوِي أَنَّ هذهِ الآية نَزَلَتْ في أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَدْ جَاء وَفْدٌ مِنْ تَميمٍ فأَشَارَ أَبُو بَكْر عَلَى النَّبِيِّ بأنْ يُؤمِّرَ عَليهِم القَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَأشَارَ عُمَرُ بأنْ يُؤَمِّرَ عَلَيهِم الأقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَتَمارِيا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ، وارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُما فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ كَانَ أَبُو بَكرٍ لا يُكَلِّمُ الرَّسُولَ إِلا هَمْساً، وَكَانَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَلا يَسْمَعُهُ الرَّسُولُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ).
أنْ تَحْبَطَ- مَخَافَةَ أوْ كَرَاهِيَةَ أنْ تَبْطُلَ أَعْمَالُكُمْ.

.تفسير الآية رقم (3):

{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}
{أَصْوَاتَهُمْ} {أولئك}
(3)- والذِينَ يَخْفِضُونَ أصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ في حَضْرَتِهِ إِجْلالاً واحتِراماً، هُمُ الذِينَ ابتْلَى اللهُ قُلُوبَهم بالمِحَنِ والتَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ، حَتَّى تَطَهَّرَتْ وَصَفَتْ بِما كَابَدَتْهُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى المَشَاقِّ، وَهَؤُلاءِ لَهُم مَغْفِرةٌ مِنْ رَبِّهمْ لذُنُوبِهمْ، وَلَهُم ثَوَابٌ عَظِيمٌ عَلَى غَضِّهم أصْواتَهم عِنْدَ النَّبِيِّ احتِراماً مِنْهُمْ لَهُ، وَتَعْظِيماً لِقَدْرِهِ.
يَغُضُّونَ- يَخْفِضُونَ.
امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ- أخْلَصَها وَصَفَّاهَا.

.تفسير الآية رقم (4):

{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)}
{الحجرات}
(4)- اجْتَمعَ أناسٌ مِنَ العَرَبِ فَقَالُوا: انْطَلِقُوا بِنا إِلى هَذَا الرَّجلِ، فَإِنْ كَانَ نَبِيّاً فَنَحْنَ أسْعَدُ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكاً نَعِشْ بِجَنَاحِهِ، فَجَاؤُوا إلى حُجْرِةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ وَهُو في حُجْرتِهِ: يَا مُحَمَّدُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى هَذِهِ الآيةَ الكَريمةَ تأدِيباً لهؤُلاءِ وأمْثَالِهِمْ، الذِينَ يَأتُونَ إِلى النَّبيِّ، وَهُوَ في بَيْتِهِ مَعَ نِسَائِهِ، فَيُنَادُونَهُ بأصْواتٍ مُرْتَفِعةٍ لِيَخْرُجَ إليهِمْ.
وَيَقُولُ تَعَالى: إِنَّ الذِينَ يَفْعَلُون ذَلِكَ أكْثَرُهُم جُهَّالٌ بِمَا يَجِبُ لِلرَّسُولِ مِنَ التَّعظِيمِ وَالاحتِرامِ.
الحُجُراتُ- بَيْتُ الإِنسَانِ وَأماكنُ خَلْوَتِهِ مَعَ أهْلِهِ.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}
(5)- وَلَوْ أنَّ هؤلاءِ الذِينَ جَاؤُوكَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُراتِ بِأصْواتٍ مُرْتَفِعَةٍ، صَبَرُوا وَلَمْ يُنَادُوكَ حَتَّى تَخْرُجَ أنْتَ إليهِمْ، لَكَانَ ذَلِكَ خَيْراً لَهُمْ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ بِذَلِكَ قَدْ بَرْهَنُوا عَلى مَا يُكِنُّونَهُ لَكَ مِنَ الاحتِرَامِ وَالتَّوقِيرِ.

.تفسير الآية رقم (6):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}
{ياأيها} {آمنوا} {بِنَبَإٍ} {بِجَهَالَةٍ} {نَادِمِينَ}
(6)- هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ في الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أبي مُعيطٍ، فَقَدْ أرْسَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى بَني المُصْطَلَقِ لِيَجْمَعَ صَدَقَاتِهِمْ وَكَانَ رَئِيسُهُم الحَارِثُ بنُ ضِرارٍ الخِزَاعِي قَدْ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأسْلَمَ، وَسَألَ الرَّسُولَ أنْ يَرْجِعَ إلى قَوْمِهِ فَيَدْعُوهُمْ إلى الإِسْلامِ فَمَنِ اسْتَجَابَ مِنْهُم لَهُ جَمَعَ الزَّكَاةَ مِنْهُ، عَلَى أنْ يُرْسِلَ الرَّسُولُ مَبْعُوثاً مِنْ قِبَلِهِ، في وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، لِيَقْبِضَ مَا جَمَعَهُ الحَارِثُ مِنْ صَدَقاتِ بَني المُصْطَلقِ. فَقَامَ الحَارِثُ بِمَا أمَرَه بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلما مَضَى المَوْعِدُ المُحَدَّدُ وَلَم يَحْضُرْ إليهِ أحْدٌ مِنْ قِبلِ الرَّسُولِ، خَافَ أنْ يَكُونَ الرَّسُولُ قَدْ غَضبَ عَلَيه لأمْرٍ مَا، فَجَمَعَ وُجُوهَ قَوْمِهِ وَسَارَ بِهمْ إِلى الرَّسُولِ في المَدِينَةِ.
وَكَانَ الوَليدُ بْنُ عُقْبَة قَدْ تَوجَّهَ إِلى بَني المُصْطَلقِ مَبْعُوثاً من رَسُولِ اللهِ، فَلَمَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ تَخَوَّفَ مِنْ أنْ يَقْتُلَهُ بَنُوا المُصْطَلَقِ فَعَادَ وأخْبَرَ الرَّسُولَ بأنَّ بَني المُصْطَلقِ مَنَعُوهُ الزَّّكَاةَ، وَكادُوا يَقْتُلُونَهُ.
(وَقِيلَ إنَّ بَني المُصْطَلقِ عَلِمُوا بِمَقْدَمِ الولِيدِ فَفَرِحُوا بهِ وَخَرَجُو للقَائِهِ فَخَافَ مِنْهُم وَعَادَ).
فلما سَألَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم الحَارثَ عَنْ سَبَبِ مَنْعِهِم الزَّكَاةَ، وَمُحَاوَلَتِهِمْ قَتْلَ رَسُولِهِ، قَالُوا لهُ: لا والذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا جَاءَنَا أحَدٌ. فأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى هَذِهِ الآية.
وفي هَذِهِ الآيةِ يَأمُرُ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ بأنْ لا يَتَعجَّلُوا في حَسْمِ الأمُورِ وَتَصْدِيقِ الأخْبَارِ التي يَأتِيهِمْ بها أناسٌ فَسَقَةٌ، غَيْرُ مأمُونينَ في خُلُقِهِمْ وَدِينِهِمْ وَرِوَايَتِهِمْ، لأنَّ مَنْ لا يُبَالي بالفِسْقِ فَهُوَ أجْدَرُ بأنْ لا يُبَالي بالكَذِبِ، ولا يَتَحَامَاهُ، وَقَدْ يُؤدِّي التَّعْجِيلُ في تَصْدِيقِ الأنباءِ التِي يَنْقُلُها الفُسَّاقُ إلى إصَابةِ أناسٍ أبْرياءَ بأذًى، والمُؤْمِنُونَ يَجْهَلُونَ حَالَهم، فَيَكُونُ ذَلِكَ الإِيذاءُ سَبَباً لِنَدامَتِهِمْ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُمْ.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)}
{الإيمان} {أولئك} {الراشدون}
(7)- واعلَمُو يَا أَيُّها المُؤْمِنُون أنَّ رَسُولَ اللهِ بَيْنَ أظْهُركُمْ فَعَظِّمُوهُ وَوَقِّرُوهُ وَاصْدُقُوهُ، وَتأدَّبوا مَعَهُ، وَهُوَ أَشْفَقُ عَلَيكُمْ مِنْ أنفِسكُم، وَلَوْ أنّهُ تَعَجَّلَ في عَمَلِ مَا أرَدْتُم قَبْلَ وَضُوحِ الأمرِ، وَقَامَ بِمَا أَشَرْتُمْ عَلَيهِ مِنَ الآراءِ لَوَقَعْتُم في الإِثْمِ وَالمَشَقَّةِ والحَرَجِ (لَعَيِنتُّمْ)، وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إليكُم الإِيمَانَ والأُمُورَ الصَّالِحَةَ، وَجَعَلَكُمْ تَكْرَهُونَ الكُفْرَ والفُسُوقَ والعَصْيَانَ.
وَهَؤُلاءِ المُتَّصِفُونَ بالصِّفاتِ السَّابِقَةِ هُمُ الرَّاشِدُونَ المُهتَدُونَ، الذِينَ آتاهُمُ اللهُ رُشْدَهُمْ.
لَعَنِتُّمْ- لأَثِمْتُمْ وَهَلكْتُمْ.

.تفسير الآية رقم (8):

{فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)}
(8)- وَهذَا العَطَاءُ، الذِي مَنَحَكُمُ اللهُ إيَّاهُ، هُوَ فَضْلٌ منهُ عَليكُمْ، وَإِنعَامٌ عَلَيكُمْ مِنْ لَدُنْهُ، وَاللهُ عَليمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الهِدَايةَ ممَّنْ يَسْتَحِقُّ الغَوَايةَ، وَهُوَ حَكِيمٌ في شرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}
{طَآئِفَتَانِ} {إِحْدَاهُمَا} {فَقَاتِلُواْ}
(9)- وإذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمنينَ فَأصِلِحُوا- يا أيُّها المُؤْمِنُونَ- بَينَهما بالعَدْلِ، وذَلِكَ بالدَّعْوةِ إِلى حُكْمِ اللهِ، وَالرِّضَا بِمَا فيهِ، فإذا أبَتْ إِحْدَى هَاتِينِ الطَّائِفَتَينِ الإِجَابَةَ إلى حُكْمِ اللهِ، وَتَجَاوَزَتْ حُدُودَ العَدْلِ، وأَجَابتِ الاخْرى، فَقَاتِلُوا التي تَعْتَدِي وَتأبى الإِجَابَةَ إلى حُكْمُ اللهِ، حَتَّى تَرْجِعَ إليهِ وَتَخْضَعَ لَهُ، فَإِنْ رَجَعَت الطَّائِفَةُ البَاغِيةُ إلى الرِّضا بِحُكْم اللهِ، فَأصْلِحُوا بَينَهما بالعَدْلِ، وَاعْدِلُوا في حُكْمِكُم فإنَّ اللهَ يُحبُّ العَادِلينَ، وَيَجزِيِهْم أحْسَنَ الجَزَاءِ.
بَغَتْ- اعتَدَتْ.
تَفيءُ- تَرْجعُ.
أقسِطُوا- اعدِلُوا في كُلِّ أمُورِكُمْ.
المُقْسِطِينَ- العَادِلينَ.

.تفسير الآية رقم (10):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}
(10)- المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ في الدِّينِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ».
فأصْلِحُوا بَينَ الأخَوينِ المُتَقَاتِلَينِ، أو الطَّائِفَتَين المُتَقَاتِلَتَين كَما تُصْلِحُونَ بين الأخَوينِ منَ النَّسَبِ، وَاتْقُوا اللهَ في جَميعِ أمُورِكُم لَعَل اللهَ يَرْحَمُكُم وَيَصْفَحُ عَمَا سَلَفَ مِنْكُم مِنْ ذُنُوبٍ وَهَفَواتٍ.

.تفسير الآية رقم (11):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)}
{ياأيها} {آمَنُواْ} {بالألقاب} {الإيمان} {فأولئك} {الظالمون}
(11)- يَنْهَى اللهُ تَعَالى المُؤْمنينَ عنِ السُّخرِيةِ مِنْ إِخْوانِهِم المُؤْمِنينَ، وَالاستْهزاءِ بِهِمْ، وَاسْتصْغَارِ شأَنِهِم، فَقَدْ يَكُونُ المُسْتَهزَأ بهِ أكْرَمَ عِنْدَ اللهِ مِنَ السَّاخِرِ مِنهُ، وَالمُحتقِر لهُ، فَيَظْلمُ نَفْسَه بِتَحْقيرِ مَنْ وَقَّرَهُ اللهُ.
كَمَا نَهى تَعَالى النِّساءَ المُؤْمِنَاتِ عَنْ أنْ يَسْخَرْنَ مِنْ أخَواتِهِنَّ المُؤْمِنَاتِ، فَقَدْ تَكُونُ المُسْتَهزأ بِها أكرَمَ عِنْدَ اللهِ مِنَ السَّاخِرةِ مِنْها. كَما أمَرَ اللهُ المُؤْمِنينَ بألا يَغْتَابَ بَعْضُهُم بَعْضاً، وَبأنْ لا يَعِيبَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَبأنْ لا يَطْعَنَ بَعْضهُمْ في بَعْضٍ. وَاعْتَبَرَ تَعَالى لَمْزَ الإِنسَانِ أخَاهُ كَلمْزِهِ نَفْسَهُ، وَطَعنَهُ أخَاه كَطَعْنِهِ في نَفْسِهِ، لأنَّ المُسْلِمينَ جِسَدٌ وَاحِدٌ إِنِ اشتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهرِ وَالحمى. كَما قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وأمرُ الله تَعَالى المُؤْمِنينَ بأنْ لا يَدْعُو بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِلَقَبِ يَسُوؤُهُ أو يَكْرَهُهُ، كَأنْ يَقُولَ مُسْلِمٌ لأخِيهِ المُسْلِمِ: يا فَاجِرُ، أوْ يَا غَادِرُ أو يَا عَدُوَّ اللهِ أو يَا مُنَافِقُ...
وَقَالَ ابنُ عَبّاس: «إنَّ التَّنَابُزَ بالألْقَابِ أنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَمِلَ السِّيئَاتِ ثُمَّ تَابَ، وَرَجَعَ إِلى الحَقِّ، فَنَهى اللهُ تَعَالى أنْ يُعَيَّر بِما سَلَفَ مِنْ عَمَلِهِ».
وَبِئْسَتِ الصِّفَةُ، وَبِئْسَ الاسْمُ للْمُؤْمِنينَ أنْ يُذكَرُوا بالفُسُوقِ بَعْدَ دُخُولِهمْ في الإيمَانِ. وَمَن لم يَتُبْ مِنْ نَبْزهِ أخَاهُ المُؤمِنَ بِلَقَبِ يَكْرَهُهُ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ لَمْزهِ إخْوَتَهُ، وَمِنْ سُخْرِيَتِهِ مِنْهُم.. فأولئِكَ هُمُ الظَّالِمونَ الذِينَ ظَلَمُوا أنفُسَهم فَأكْسَبُوها عِقَابَ اللهِ بِعِصْيَانِهِم إيَّاهُ.
لا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ- لا يَدْعُو بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِلَقَبٍ يَكْرَهُهُ.
لا يَسْخَرْ- لا يَهْزأ.
لا تَلْمِزُوا أنْفسَكُمْ- لا يَعِبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَلا يَطْعَنْ فِيهِ.